إشنيوان (إجطي) بإقليم الدريوش ... قرية منسية
تبحث عن نصيبها في التنمية
شاءت الأقدار أن تتواجد قرية إجطي أو مدشر
" إشنيوان " كما يحلو لأهلها تسميتها، بمنطقة نائية معزولة عن العالم
الخارجي على غرار مجموعة من القرى و المداشر الأخرى بسلاسل جبال الريف، هي قرية
احتضنت أجيالا منذ قرون عرفوا بطيبوبتهم وشيمهم الحميدة التي جمعت كلمتهم على أساس
واحد، الوحدة و التضامن رغم قساوة الظروف الطبيعية .
قديما، أهل القرية تحدوا الصعاب في أوقات
الأزمات و وفروا أجواء للحياة في هذه الجزيرة التي يصعب الوصول إليها لأن تضاريسها
جد وعرة و عالية، و يحاذيها غربا واد كبير يشبه اسمه، "إغزار أمقران" أو
الواد الكبير الذي يسجن الساكنة طيلة أيام المطر شتاء، و يقف حاجزا بين
المدشر و الأماكن التي تتواجد بها مصالح المواطنين من أسواق و إدارات، فتشل الحركة
" الاجتماعية و الاقتصادية" من و إلى القرية، و بالتالي تقل الموارد
الغذائية في الدور و الدكاكين، ليكتفي الناس وقتها بمشاهدة التلفاز و النشرات
الإخبارية التي تغطي المشاريع التي يدشنها ملكهم في مناطق كثيرة و يأخذهم الشغف
لرؤيته يتحقق من مشاريع كانت قد برمجت في إطار البرامج التي تسعى لفك العزلة عن
العالم القروي، فعلى سبيل المثال يتحصر أهل إشنيوان على تعليق مشروع طريق تربط
قريتهم بمركز الجماعة القروية على امتداد 11 كلم التي حظي المدشر ببرمجته في إطار
الشطر الثاني من برنامج الطرق بالعالم القروي منذ ما يقرب 7 سنوات، دون أن يرى
النور لحد الآن، ليكتشف السكان أن المولود ولد ميتا، نتيجة عملية قيسرية فاشلة،
تورط فيها المجلس الجماعي أنذاك في اجتماعات و لقاءات خاصة لتحويل مساره من جهة
أخرى. كما تنفتح القرية شمالا على مياه البحر الأبيض المتوسط، الذي يعتبر مصدر رزق
لكثير من الأسر رغم الإمكانيات المحدودة و أساليب الصيد التقليدية. و معبرا إلى
الضفة الأخرى من الدول الأوربية للكثير من شباب المنطقة، الذين تاقوا لحياة
أفضل و رسموا أحلاما وردية، بعضها تحققت، و بعضها صار سرابا مع الأزمة المالية و
الاقتصادية التي أصبحت تهدد العالم بأسره، هؤلاء الشباب ركبوا البحر لأن الدنيا
ضاقت بهم في مدشرهم و اكتشفوا أن لا خير في وطن يطرد أبناءه قسرا و قمعا و تهميشا،
فثمة من وصل وعاد بخفي حنين، و هناك من علقوا بالطريق و لم يصلوا. و
أخرون ساعدهم الحظ فوصلوا و نجحوا و أغدقوا على الوطن الذي همشهم
بعملة صعبة، انتشلت بعض أهاليهم من براثن الفقر و الهشاشة، و ساهمت في تحريك عجلة
الاقتصاد، و اشتروا سيارات جديدة و جميلة عادوا بها للمدشر و قطعوا بها مسافات
طويلة لكنهم لما وصلوا لقريتهم لم يجدوا إلا أماكن جد وعرة صعبة المسالك و محفرة
كما تركوها لما هاجروا، تضر بمحركاتها، و تزيد ضغطهم الدموي لتنظاف إلى الأمراض
الأخرى .
ناس القرية معرفون باتحادهم و صمودهم، فمثلا،
قبل عشرات السنين حجوا في مسيرة إلى العمالة من أجل الاحتجاج و المطالبة بتزويدها
بالكهرباء، تم التصدي لها من طرف المخزن، و تم إقناعهم بتحقيق المطلب دون وصول
المحتجين لمبتغاهم ، لكن الرسالة وصلت، و تم تزويد القرية بالكهرباء. و بما
أن الحياة الكريمة تتطلب أيضا ماء و طرقا و مرافق أخرى ... و نظرا لانعدامها في
القرية في الوقت الراهن، اتحدت الساكنة من جديد و سطرت ملفا مطلبيا ضم مطالب
اجتماعية بسيطة، منها : ماء و طريق و طبيب و قليل من الأدوية ... و لوحة تشوير عند
مدخل قريتهم، و رفعته إلى الجهات المعنية و خاضت أشكالا نضالية و احتجاجات عارمة
منذ السنة الماضية. الساكنة تلقت وعودا و كلاما معسولا و ناعما من المسؤولين. لحد
الساعة، لا شيء تحقق على أرض الواقع سوى تلك اللوحة للتشوير و التي لم ترض البعض
لأنها لا تشبههم. و لازال الناس ينتظرون و يستعدون لمعارك أخرى
.
إذا كانت الدولة فيما سبق، قبل الاستقلال
مغلوبة على أمرها، لأنها مستعمرة، و وهبت أراضيها و مواردها للمستغل كرها، و
أن المجاهدين في ربوع المملكة جاهدوا في سبيل الوطن لينعموا باستقلال و حرية و
كرامة و تنمية مستدامة، لا أن يتبعوا المستعمر إلى عقر داره لما خرج، بحثا عن لقمة
العيش. فإن دولة اليوم بمؤسساتها عليها أن تعي ذلك لأن الأمر مختلف عما كانت عليه
و أصبحت قائمة بذاتها، عليها أن تضمن حياة كريمة لمواطنيها بدء بتعليم ميسر مجاني،
خلال جميع المراحل الابتدائية و الثانوية و الجامعية، و خلق فضاءات للتربية و
الترفيه و التأهيل مرورا بتطبيب جاد و فعال و إدارة عصرية في القرى و المدن و
وصولا لضمان عيش كريم للنساء و الأطفال و الرجال الشباب و الشيوخ و فك العزلة و
تسهيل الولوج للمناطق البعيدة و النائية و خلق بنية تحتية متينة و فرص للشغل تمتص
شبح البطالة التي تهدد الاستقرار و تضمن تكافؤ الفرص .
فالمغرب واحد و ليس مغربا نافعا و غير نافع.
0 التعليقات :
إرسال تعليق
علق هنا